فصل: قال الغزالي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {تَضَرُّعًا وخُفْيةً} نُصِبَ على الحال: أي: متضرعين مُخْفين الدُّعَاءَ ليكون أقْرَبَ إلى الإجَابَةِ.
ويجوزُ أن ينتصبا على المصدرِ، أي: دعاءَ تضرّعٍ وخُفْيةٍ.
وقرأ أبُو بَكْرٍ: {خِفْية} بكسر الخاء، وقد تقدَّم ذلك في الأنعام إلا أنَّ كلام أبي عليٍّ يُرْشد إلى {خِفْيَةً} بالكسر بمعنى الخَوْفِ، وهذا إنَّما يَتأتَّى على ادِّعاءِ القلْب أي يُعتقد تقدم اللاَّم على العَيْنِ وهو بعيدٌ؛ لأنَّهُ كان يَنْبَغِي أنْ تعود الواو إلى أصلها، وذلك أن {خِفْية} ياؤُهَا عن واو لسكونها وانكسار ما قبلها، ولمَّا أخِّرَت الواوُ تحرَّكتْ، وسُكِّن ما قبلها، إلاَّ أن يقال: إنَّهَأ قلبت متْرُوكَةً على حالها.
وقرأ الأعمش {وخِيْفة} وهي تؤيِّدُ ما ذكره الفَارِسِيُّ، نقل هذه القراءة عنه أبو حَاتِمٍ.
قوله: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين} قرأ ابن أبي عَبْلَة {إنَّ اللَّه} أتى بالجلالةِ مكان الضَّميرِ، والمُرَادُ بالتَّضَرُّعِ: التَّذَلُّلُ والاستكانة، وبالخفية: السِّرُّ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}
الأمر بالدعاء إذنٌ- في التسلِّي- لأرباب المحنة، فإنهم إلى أن يصلوا إلى كشف المحنة ووجود المأمول استروحوا إلى روْح المناجاة في حال الدعاء؛ والدعاء نزهةٌ لأرباب الحوائج، وراحةٌ لأصاحب المطالبات، ومعجل من الإِنس بما (...) إلى القلب عاجل التقريب. وما أخلص عبدٌ من دعائه إلى رَوَّحَ سبحانه في الوقت قلبَه.
ويقال علَّمهم آداب الدعاء حيث قال: {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وهذا أدب الدعاء؛ أن يَدْعُوا بوصف الافتقار والانكسار ونشر الاضطرار. ومن غاية ما تقرر لديك نعت كرمه بك أنه جعل إمساكَكَ عن دعائه- الذي لابد منه- اعتداء منك. اهـ.
فصل في آداب الدعاء وفضله:

.قال الغزالي:

قال الله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي}
وقال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} وقال تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} وقال عز وجل: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}
وروى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ {ادعوني أستجب لكم} الآية.
وقال صلى الله عليه وسلم: «الدعاء مخ العبادة».
وروى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء».
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن العبد لا يخطئه من الدعاء إحدى ثلاث إما ذنب يغفر له وإما خير يعجل له وإما خير يدخر له».
وقال أبو ذر رضي الله عنه يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح وقال صلى الله عليه وسلم سلوا الله تعالى من فضله فإن الله تعالى يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج.
آداب الدعاء:
وهي عشرة:
الأول أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة ورمضان من الأشهر ويوم الجمعة من الأسبوع ووقت السحر من ساعات الليل قال تعالى: {وبالأسحار هم يستغفرون} وقال صلى الله عليه وسلم: «ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول عز وجل من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له».
وقيل إن يعقوب صلى الله عليه وسلم إنما قال سوف أستغفر لكم ربي ليدعو في وقت السحر فقيل إنه قام في وقت السحر يدعو وأولاده يؤمنون خلفه فأوحى الله عز وجل إني قد غفرت لهم وجعلتهم أنبياء.
الثاني أن يغتنم الأحوال الشريفة قال أبو هريرة رضي الله عنه إن أبواب السماء تفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلوات المكتوبة فاغتنموا الدعاء فيها وقال مجاهد إن الصلاة جعلت في خير الساعات فعليكم بالدعاء خلف الصلوات.
وقال صلى الله عليه وسلم: «الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد».
وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: «الصائم لا ترد دعوته».
وبالحقيقة يرجع شرف الأوقات إلى شرف الحالات أيضا إذ وقت السحر وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوشات ويوم عرفة ويوم الجمعة وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب على استدرار رحمة الله عز وجل فهذا أحد أسباب شرف الأوقات سوى ما فيها من أسرار لا يطلع البشر عليها.
وحالة السجود أيضا أجدر بالإجابة قال أبو هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء.
وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب تعالى وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم.
الثالث أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه بحيث يرى بياض إبطيه وروى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الموقف بعرفة واستقبل القبلة ولم يزل يدعو حتى غربت الشمس.
وقال سلمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ربكم حيي كريم يستحي من عبيده إذا رفعوا أيديهم إليه أن يردها صفرا.
وروى أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه في الدعاء ولا يشير بأصبعيه.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم مر على إنسان يدعو ويشير بإصبعيه السبابتين فقال صلى الله عليه وسلم أحد أحد.
أي اقتصر على الواحدة.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه ارفعوا هذه الأيدي قبل أن تغل بالأغلال ثم ينبغي أن يمسح بهما وجهه في آخر الدعاء قال عمر رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مد يديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه.
وقال ابن عباس كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا ضم كفيه وجعل بطونهما مما يلي وجهه.
فهذه هيئات اليد ولا يرفع بصره إلى السماء قال صلى الله عليه وسلم لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء أو لتخطفن أبصارهم.
الرابع خفض الصوت بين المخافتة والجهر لما روى أن أبا موسى الأشعري قال قدمنا مع رسول الله فلما دنونا من المدينة كبر وكبر الناس ورفعوا أصواتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس إن الذي تدعون ليس بأصم ولا غائب إن الذي تدعون بينكم وبين أعناق ركابكم.
وقالت عائشة رضي الله عنه في قوله عز وجل: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}.
أي بدعائك وقد أثنى الله عز وجل على نبيه زكرياء عليه السلام حيث قال إذ نادى ربه نداء خفيا وقال عز وجل: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية}.
الخامس أن لا يتكلف السجع في الدعاء فإن حال الداعي ينبغي أن يكون حال متضرع والتكلف لا يناسبه قال صلى الله عليه وسلم سيكون قوم يعتدون في الدعاء.
وقد قال عز وجل: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} قيل معناه التكلف للأسجاع والأولى أن لا يجاوز الدعوات المأثورة فإنه قد يعتدى في دعائه فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته فما كل أحد يحسن الدعاء ولذلك روي عن معاذ رضي الله عنه إن العلماء يحتاج إليهم في الجنة إذ يقال لأهل الجنة تمنوا فلا يدرون كيف يتمنون حتى يتعلموا من العلماء وقد قال صلى الله عليه وسلم إياكم والسجع في الدعاء حسب أحدكم أن يقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
وفي الخبر سيأتي قوم يعتدون في الدعاء والطهور ومر بعض السلف بقاص يدعو بسجع فقال له أعلى الله تبالغ أشهد لقد رأيت حبيبا العجمي يدعو وما يزيد على قوله اللهم اجعلنا جيدين اللهم لا تفضحنا يوم القيامة اللهم وفقنا للخير والناس يدعون من كل ناحية وراءه وكان يعرف بركة دعائه.
وقال بعضهم ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق.
ويقال إن العلماء الأبدال لا يزيدون في الدعاء على سبع كلمات فما دونها ويشهد له آخر سورة البقرة فإن الله تعالى لم يخبر في موضع من أدعية عبادة أكثر من ذلك.
واعلم أن المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة وإلا ففي الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات متوازنة لكنها غير متكلفة كقوله صلى الله عليه وسلم أسألك الأمن من يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود والركع السجود الموفين بالعهود إنك رحيم ودود وإنك تفعل ما تريد.
وأمثال ذلك فليقتصر على المأثور من الدعوات أو ليلتمس بلسان التضرع والخشوع من غير سجع وتكلف فالتضرع هو المحبوب عند الله عز وجل.
السادس التضرع والخشوع والرغبة والرهبة قال الله تعالى: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا} وقال عز وجل: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله عبدا ابتلاه حتى يسمع تضرعه».